من العدالة إلى التشريع: مسار السُلطة
إن الاعتراف بعقد مجمع كنسي، والذي طلبه الإمبراطور، كان بمثابة بداية لقانون جديد، وبداية لقانون كنسي. كان الإمبراطور قسطنطين هو الذي دعا إلى عقد المجمع في نيقية، وفي إطار هذا الحدث أصدر الإمبراطور بعض الدساتير التي انتقلت فيما بعد إلى مدونات ثيودوسيوس وجستينيان. وقد ذكر يوسابيوس وسوزومينوس وسقراط وغيرهم من المؤرخين البيزنطيين بعض الموضوعات التي تناولها الإمبراطور في وقت المجمع؛ وبفضلهم بدأنا نلاحظ الرأفة الإمبراطورية نحو رعايا هذه "الكنيسة" (المجمع كما ورد في كود ثيودوسيانوس ١٦، ٢.٤). ومع ذلك، ستصبح هذه الموضوعات والمراسيم القانونية فيما بعد جزءاً لا يتجزأ من القانون الإمبراطوري وسيدخل جزءاً كبيراً منها بحكم الأمر الواقع في ما يمكن أن نطلق عليه "الدستور العقائدي" للإيمان المسيحي. إن هذا الارتباط، بسبب التدخلات التشريعية لصالح الكنيسة، خلق اتحاداً وثيقاً فعلياً بين الكنيسة والقوة الإمبراطورية. والواقع أن "الإيمان" الذي أُعلِن في نيقية، ثم سُجِّل أيضاً في القسطنطينية في عام ٣٨١، أصبح رمزاً (عقيدة) للانتماء الحقيقي والصحيح إلى الكنيسة الذي رغب فيه قسطنطين ـ ولا بد أن نتذكر أن الإمبراطور في عام ٣٢٥ كان قد تحوّل بالفعل بشكل حاسم نحو إيمان المسيحيين. وقد يقال إن وثيقة الهوية المسيحية تشكّلت على هذه المنصة التاريخية والأيديولوجية. والسؤال الأول الذي يطرح نفسه يتعلق بما كان المقصود بـ "الإيمان المسيحي" أو الدين الذي اعتنقه بعض الأساقفة البارزين. ومن الغريب أن "السرد الإنجيلي" أو شخصية يسوع المسيح المُحِبّة والفادية وكأنها أُخفيَت، ولو من خلال قراءة سريعة للنصوص المجمعية. هناك صياغة فكرية صيغت بلغة فلسفية، وهي صياغة رمز الإيمان، ولكن لا يتم التركيز على شخصية يسوع كأساس وغاية للإيمان. في واقع الأمر، يبدو أن البابا فرنسيس، باختياره الدقيق، لم يرغب قط في ارتداء الرداء الأحمر، اللون الإمبراطوري، واختار دائماً ارتداء الرداء الأبيض. هل هناك ربما شيء وثيق الصلة بهذا التحالف القديم الذي أُقيم في نيقية؟ أرى ذلك ممكناً. كان هذا التحالف الناشئ خطيراً جداً في نظر وعقل القديس هيلاريوس من بواتييه. لقد أحسَّ هذا الأسقف بالخطر الكبير الذي ينطوي عليه هذا التحالف وتتبَّعَ الانحراف الذي كانت الكنيسة تتخذه في نسيان كنيسة الشهداء. من المؤكد أن شتائم هيلاريوس كانت موجهة ضد قسطنطيوس، ابن قسطنطين، لكن اتهام الأسقف كان موجهاً أيضاً ضد الأب. إن هذه العملية الأيديولوجية والتشريعية التي بدأها قسطنطين في نيقية تجد أول تأكيد نهائي لها وأساس للتماهي بين القانون الأساسي والقانون الإلهي مع ظهور تشريع الإمبراطور مرقيان، والذي تم التحقق منه ودعمه فيما بعد من خلال الإجراءات التشريعية التي قام بها جستنيان.